سادسًا: الفلسفة والعقل
تموت الفلسفة إذا ما أصبحت مهمة العقل — وهو أداة الفلسفة الأولى — هي تبرير المعطيات سواء كانت دينية أو سياسية، والدفاع عنها دون أن يقوم بوظيفته الأولى في التحليل والفهم أولًا ثم في نقد الواقع والأوضاع القائمة ثانيًا، بل يقتصر على التبرير لما يفهم دون نقد أو تغيير ودون إحداث أي تأثير في الواقع، فالفهم والتغيير كلاهما من وظائف العقل. والاكتفاء بالأول دون الثاني يجعل من الفيلسوف متفرِّجًا على الأحداث دون أن يكون مسيرًا لها. فلا يكفي فهم العالم بل لا بد من تغييره أيضًا. والحقيقة أن العقل قادر على فهم كل شيء وتبرير كل شيء، بل إن الفهم نفسه هو أحد أنواع التبرير. ومع ذلك لا يتم دور العقل الكلي إلا إذا واجه ما يستعصي على الفهم. وهنا يبدأ عمل العقل الفعلي في التحليل والنقد. ثم يتحول إلى رفضٍ وثورة وغضب ويتَّحد بالوجود الإنساني كلِّه. وفي التبرير لا تهم جهة المعطيات ونوعها. فسواء أتَتْ من الوحي أو من المجتمع فالتبرير واحدٌ في كلتا الحالتين. تبرير الوحي يكون تبريرًا للعقائد التي هي في حقيقة الأمر نتاج التاريخ ومن وضع المجتمع ومن صياغة الفقهاء، تعبيرًا عن روح العصر. وتبرير المجتمع يكون تبريرًا للنظم السياسية والاجتماعية دفاعًا عن الأوضاع القائمة، ويقوم به الموظفون الأيديولوجيون في كل نظام.
Descartes: Meditations, Oeuvres complètes, p. 257–261, NRF, 1953.
Kant: Critique de la Raison Pure, p. 24, PUF, Paris, 1950.