الرجل والجنس

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي

حنينُ الرَّجل لأن يكونَ أنثى

إذا واجه الرَّجل، أي رجل، نفسَه بصدقٍ وشجاعة وثقة، فسوف يدرك أنه يشعرُ، أو شعرَ في يوم من الأيام، بحنينٍ دفين لأن يكونَ أنثى.

هذا الحنين المدفون في العقل الباطن لكل رجل ليس انحرافًا أو شذوذًا، إنه شعور طبيعي يشعر به كل جنس تجاه الجنس الآخر.

وكان المفكِّر اليوناني القديم يعتبر الجمال صفةً منفصلة عن الذُّكورة والأنوثة، بل إنهم صوَّروا إلهَ الجنس «إيروس» في صورةِ جسمٍ بديع متناسق يشتمل على أعضاء الذكر والأنثى معًا. ومن المعروف أن كلمة «هيرمافروديت» (Hermaphrodite) — وتعني علميًّا «الخنثى» — قد أُخِذَت من الأسطورة اليونانية عن «هرمس» الذي عشقته «أوفرديت» ورجَتِ الآلهة أن يندمج جسده في جسدها، وأجابت الآلهة دعوتها ووُلِد «هرمافروديت» الخنثى.

وهذا يدل على أنه رغم جهل اليونانيين في ذلك الحين بالبيولوجيا ونظرية ازدواجية الجنس في الإنسان إلا أنهم استطاعوا أن يدركوا ذلك بمشاعرهم وأحاسيسهم الفطرية.

وتقول كارين هورني في هذا المعنى: إن ازدواجية الجنس عند الإنسان تظهر في الأطفال بوضوح أكثرَ من غيرهم؛ لأنهم لا يدركون كالكبار تحديدَ جنسهم، وقد ترى عند بعضهم رغبات جنسية مزدوجة ساذجة وبريئة، فتشعر البنت أحيانًا أنها ذكر، ويشعر الذكر أنه بنت، ولكن المجتمع يحدِّد لكلٍّ منهما صفاته ودوره، فيكبت الذكرُ شعورَه بالأنوثة، وتكبت البنت شعورها بالذُّكورة.١

ومن النَّاحية البيولوجية والتَّشريحية أيضًا فإنَّ جسم الإنسان مزدوج الجنس. البظر يقابل عضو الرَّجل، ويلعب في الجنس دورًا مشابهًا ويمتلئ بالدَّم وينتصب. إنَّ ثدي الرَّجل حسَّاس للجنس كثدي المرأة، ويمكن أن يكبر حجمه بحقن الهرمونات المناسبة.

بمعنًى آخر، إنَّ التَّكوين التَّشريحي والبيولوجي للإنسان لا يضع فروقًا كبيرة بين الجنسين، وإنه ليس هناك مَن هو ذكر ١٠٠٪ أو أنثى ١٠٠٪.

لكن المجتمع هو الذي يضع الفروق من أجل أن تنقسم الوظائف داخل الأسرة الأبوية وخارجها إلى وظائفَ ذكرية ووظائف أنثوية.

إنَّ عملية التكيُّف الاجتماعي التي تحدث لكل إنسان تحدُث في عقله الواعي فقط. إن العقل الواعي في الرَّجل هو الذي يجعله ذكرًا حسب المقاييس والأوصاف الاجتماعية السائدة للذكورة. وإن العقل الواعي في المرأة هو الذي يجعلها أنثى حسب المقاييس والأوصاف الاجتماعية السائدة للأنوثة. والعقل الواعي في الإنسان ليس إلا جزءًا من عقله الكلي. أما الجزء الآخر الأعمق فهو العقل الباطن، وهو الذي يحتفظ بصفاتِ الإنسان الأصلية المزدوجة التي تجمع الذكر والأنثى معًا، والتي وصفها «يونج» وسمَّى الجزء الأنثوي في الرَّجل (Anima) والجزء الذكري في المرأة (Animus).

إنَّ معظم المشاكل النَّفْسية والجنسيَّة ترجع إلى ذلك الصراع الدائم بين الفترة الواعية من المخ وبين الجزء الآخر الأعمق من العقل الذي يسمَّى بالعقل غير الواعي. إنَّ مرض انفصام الشخصية المعروف بالشيزوفرينا يتميَّز بعجز الإنسان عن أن يكون نفسه الكلية أو عقله الكلي. بمعنًى آخر، إنَّ عقله الواعي وغير الواعي أصبحا عقلًا واحدًا واعيًا ناضجًا.

على أنَّ أغلبية النَّاس تقع في منتصف الطريق ما بين النضوج الكامل والانفصام الكامل. إن معظم النَّاس يشعرون بالصراع بين العقل الواعي (تعاليم الأهل والمجتمع) وبين العقل غير الواعي (الرغبات الحقيقية).

وإني أعتقد أنَّ تسمية العقل الباطن بالعقل غير الواعي تسميةٌ غير صحيحة؛ إذ من الخطأ أن نتصوَّر أن العقل الباطن لا يعي. إنه يعي كلَّ شيء، بل إنَّ وعيه قد يكون أكثرَ وأعمق من العقل الظاهر الذي يخضع بسرعة، ويدخل في القالب الذي وضعه له المجتمع. والمشكلة في حالة الانحرافات والأمراض النَّفْسية والجنسيَّة ليست في أن العقل الباطن لا يعي وأن العقل الظاهر هو الواعي. لكن المشكلة أن المسافة التي تفصل بين العقلين كبيرة، ولذلك يصبح الصراع عنيفًا.

كلما ضاقت المسافة بين العقلين: الظاهر والباطن اقترب الإنسان من النضوج؛ فالنضوج هو التحام العقلين معًا في عقلٍ واحدٍ واعٍ. النضوج هو أن يكون للإنسان عقل واحد أو نفس واحدة هي نفسه الحقيقية، وأن يكون وحدةً واحدة لا انفصالَ فيها بين الجسد والنفس.

وقد قسَّم «فرويد» النفسَ إلى «الأنا الأدنى» و«الأنا» و«الأنا الأعلى»، وقال إنَّ «الأنا الأدنى» هي الغرائز الطبيعية، وتحتوي على غريزة الحياة وغريزة الموت والغريزة الحيوانية التي تؤمن بمبدأ اللذة والإشباع فقط بصرف النظر عن المجتمع الخارجي.

أما «الأنا الأعلى» فهي الجزء من العقل الذي يدمج قيم الوالدين والمجتمع فيه، ويمثِّل السلطة الأبوية والاجتماعية والتقاليد والقوانين والأخلاق.

وقال فرويد إن «الأنا»، وهي الإنسان ذاته، تتأثَّر بالأنا الأعلى وتحاول إخضاع الأنا الأدنى، وتتوقَّف شخصية الإنسان النهائية على النتيجة الأخيرة للصراع بين الأنا الأدنى والأنا الأعلى من خلال «الأنا».

لكنَّ كثيرًا من العلماء، ومنهم هورني وفروم، نقدوا فكرةَ فرويد عن «الأنا» «والأنا الأدنى».

وإذا عُدنا إلى حياة الطفل فإن الطفل يولَد بعقل واحد، وأنه يظل هذا العقل الواحد فترةً قصيرة إلى أن يبدأ يشعر بضغوط الأهل والمجتمع فينقسم إلى عقلٍ ظاهر يتكيَّف اجتماعيًّا وإلى عقل باطن يحتفظ بالصفات الأصلية.

وفي مرحلة العمر من الطفولة إلى النضوج يجاهد الإنسان من أجل أن يصير مرةً أخرى العقل الواحد الذي كان عليه وهو طفل. وهذا هو السَّبب في أن الإنسان حين يصل إلى النضوج يشعر بسعادةٍ يقول عنها إنها تشبه سعادته الخالصة وهو طفل. وهذا هو السَّبب في تلك الطفولة التي نراها أحيانًا عند أعظم الفنانين والعباقرة والأنبياء والزعماء الناضجين. إن وصولهم إلى الإحساس بنفسهم الكلية أو عقلهم الكلي يمنحهم شعورًا بالتكامل النفسي الذي خبروه وهم أطفال قبل أن يعرفوا ضغوطَ الأهل والمجتمع، وهذا هو السَّبب أيضًا في أن الذين يحبُّون حبًّا ناضجًا تبدو عليهم أحيانًا (مثلهم مثل الفنانين والعباقرة) سماتٌ طفولية، فإذا بهم على طبيعتهم كالأطفال، وسعادتهم تشبه سعادةَ الأطفال.

إنَّ الإنسان الناضج كالطفل يتعامل بنفسه الكلية مع النَّاس من حوله. إنه حين يحب فإنه يحب بنفسه الكلية، وحين يعمل شيئًا فإنه يعمله بنفسه أو عقله الكلي. ومن هنا أهمية النضوج لأي فنان يريد أن يكون فنانًا عظيمًا. فالفن العظيم لا يتحقَّق إلا حينما يعطيه الإنسان نفسه الكلية. بقدرِ ما تعطي الفن يعطيك، وبقدرِ ما تعطي الحب يعطيك.

والطفل في حياته الأولى يحب النَّاس من حوله بنفسه الكلية. وأول شخص يراه أمامه هو أمُّه؛ ولذلك يحب الطفل أمَّه، وهناك بعض أطفال يحبُّون الأب إذا كان الأب هو الذي يرعى الطفل أكثرَ من الأم. وقد لا يكون هذا الشخص الأول هو الأم، ولا هو الأب، وإنما إنسانًا آخرَ يربي الطفل ويحنو عليه. المهم عند الطفل هو أن يحصُل على الرعاية والغذاء والحنان والحب.

ويشعر الطفل بالحب والتعلُّق بهذا الشخص الذي يعطيه الحب. إنه يحب أمَّه ويحب أباه ويحب كلَّ مَن يعطيه الحب. ولأن الأمَّ هي التي تعطي الطفل أكثرَ فهو يحبها أكثرَ. إنه يحبها كطفل، أي إنه يتعامل معها بنفسه الكلية بغير انفصام بين الجسد والنفس أو العقل الواعي والباطن أو الذكر والأنثى أو الحرام والحلال. إنه يحبُّها بنفسه وجسده وكل شيء فيه.

لكن الأم ترفض تعامُلَه الجسدي (بسبب أن الأم من المحرَّمات) وتقبل تعامُلَه النفسي، ومن هنا بدأ الانفصال بين الجسد والنفس. كما أنها تنهره إذا لمس أعضاءه الجنسيَّة ومن هنا الإحساس بالذنب. وهي تنهره إذا بكى أو ضعُف وتقول له: أنت صبيٌّ ولست بنتًا، ومن هنا الإحساس بالذُّكورة. ونتج عن ذلك كلِّه، كما سبق أن ذكرتُ، الإحساس بالنقص.

لهذا لا يستطيع أن يحب الطفل أمَّه حبًّا خالصًا. إنَّ حبه لها يشوبه دائمًا إحساسٌ بالخوف منها؛ فهي أكبرُ منه، وهي قادرةٌ على نهره أو ضربه أحيانًا، وهي قادرة على الإضرار به. وهو يحتاج إليها لكي يعيش.

ويعيش الطفل الصراعَ بين حاجته إلى أمه وخوفه منها، وبقدرِ ما يحتاج إليها بقدرِ ما يخاف منها. إنها تبدو في نظره قويةً متسلِّطة (في حالة غياب الأب في معظم الأسر الأبوية وتفرُّغ الأم للطفل)، تمثِّل الأم في نظره الجنسَ الأقوى المسيطر؛ ولهذا يشعر معظم الأطفال، ذكورًا وإناثًا، في بدء طفولتهم أن الجنس الأقوى هو الأم. وهذا أمرٌ قد يبدو في نظر الطفل الذكر مشكلة؛ لأنه كذكر لا بدَّ وأن يؤكد نفسه كالجنس الأقوى. وبما أنَّ الأم تمثِّل له هذا الجنس الأقوى فهو يتمثَّل شخصية الأم. بمعنًى آخر، إنه يحاول أن يكون كأمِّه، أنثى، أو أنه على الأقل يتمنَّى أن يكون كذلك. إلا أنه سرعان ما يكتشف أن الأنثى ليست هي الجنس الأقوى بحالٍ من الأحوال، وأن أخته تُحْرَم من الميزات الممنوحة له، وأنَّ أباه في وضعٍ أعلى من أمه، وبذلك يُشْفَى من رغبته في أن يكون أنثى ويتجه إلى شخصية أبيه فيتمثَّلها ليصبح مثل أبيه.

لكن هناك بعض الأطفال الذين لا ينتقلون إلى مرحلةِ تمثُّل الأب ويظلون برغبتهم في تمثُّل الأم. وقد اختلف علماء النفس والجنس في أسبابِ هذه الظاهرة عند بعض الرِّجال. ترى الرَّجل منهم وقد ارتدى ملابسَ المرأة وجلس أمام المرآة وأخذ يمارس العادة السرية بلذة كبيرة. وهناك مَن يذهب إلى الطبيب الجرَّاح من أجل أن يقطع عضوه ويحوِّله إلى أنثى، وهناك حالاتٌ أخفُّ من ذلك كثيرًا حين تسيطر على الرَّجل الفكرة فحسب دون أن يخرِجها إلى حيِّز التنفيذ.

يقول بعض العلماء إنَّ مثل هذا النوع من الرِّجال يحاول عن طريق هذا الانحراف أن يخلق المرأة التي في خياله. وفي خيال كل رجل امرأةٌ معيَّنة. إنه يرتدي ملابس وشخصية المرأة التي يريدها. قد تكون المرأة التي يريدها حنونًا أو قاسية، قوية متسلِّطة أو ضعيفة خاضعة. إنه يرتدي بالضبط ما يريدها أن ترتدي، ويسلك معها بالضبط كما يشاء ويرغب دون أن يواجه الموقف الذي يُضطر فيه إلى فرض رغبته على امرأة حقيقية، وحين يجلس أمام المرآة فإنه يقوم بالدور الذي كثيرًا ما تمنى أن تقوم به الأنثى نحوه، لكنه كان يفشل دائمًا (بسبب خوفه من المرأة الحقيقية) في أن يجد المرأة التي يمكن أن تلعب له هذا الدور. وهناك مَن يقول إن الرَّجل من هؤلاء يتوحَّد بشخصية الأنثى، أي إنه يصبح هو المرأة نفسها بعد أن عجز عن أن يعثر على هذه المرأة في واقعه.

وتتفق الآراء على أن هذا الانحراف يحدث بسبب عدم نضج الرَّجل، وعجزه عن إقامة علاقة مشبِعة مع امرأة حقيقية؛ لأنه فاقد الثقة في رجولته، يشعر في أعماقه أنه لن يُرْضِي المرأة؛ لأنها أقوى منه؛ لأنها مثل أمه (الجنس الأقوى في نظر الطفل) والجنس الذي يخاف منه.

ويقول بعض العلماء: إن الخوف البدائي القديم من المرأة يظل عالقًا ببعض الرِّجال، الخوف من المرأة، الإلهة الأنثى القديمة القادرة على خلق الحياة وتدميرها في الوقت نفسه، الخوف القديم من أنَّ المرأة في العلاقة الجنسيَّة بالرَّجل تحتوي عضوَ الرَّجل داخلها وقد تحطِّمه أو تسحقه.

وتقول بعض الآراء إن مثل هذا النوع من الرِّجال لا يمارس الجنس إلا مع الرِّجال؛ أي إن هذا الانحراف يصاحبه أيضًا شذوذ جنسي. لكن كينزي أشار إلى أن هذين النوعين من الانحراف منفصلان، وأنه في حالاتٍ قليلة فقط يجتمع الانحرافان في رجل واحد.

ويقول فرويد إن الرَّجل الذي يتمثَّل الأنثى يفعل ذلك بسبب حبِّه لأمه وهو طفل، ورغبته في أن يكون مثلها؛ فالذي يحب شخصًا يرغب في أن يكون مثله. ويقول «هافلوك إليس» إن رغبة الرَّجل في أن يكون أنثى ليس إلا نوعًا من المبالغة في الميل الطبيعي عند أي إنسان، ذلك أن يصبح مثل مَن يحب. كم من رجلٍ يقول للمرأة التي يحبها: كم أود أن أكون أنا أنتِ وأنتِ أنا. وهي رغبةٌ طبيعية وبسيطة، تحدُث للرجل حين يحب، وتحدُث للمرأة حين تحب. هي بقايا خيالات طفولية، قبل أن يعرف الطفل معنى الذكر والأنثى، وقبل أن يتحدَّد من داخله ومن خارجه كل جنس على حدة.

في إحدى روايات الحب يقول الرَّجل لحبيبته: لا أدري يا حبيبتي ماذا يمكن أن أشعر حين أصبح أنا أنتِ، حين أصبح مركزَ الكون في نظر إنسان آخر، حين أكون جميلًا ورقيقًا وساحرًا، حين أعيش تحت هذا الشَّعر الناعم، وأملك هاتين العينين الساحرتين، والخَصر الضامر النحيل، حين أملك القوة والضَّعف معًا، وأملك هذا الجسد وأعرف كيف يتنفس وكيف تصبح له رائحة تجعل قلبي يخفق وصوابي يُفْقَد!

إنَّ العلاقات الإنسانيَّة العميقة لا تفرِّق بين الأشخاص أو الأجناس أو الذُّكور أو الإناث. العلاقات الإنسانيَّة العميقة تقوم على إلغاء الفروق بين النَّاس. إن الرَّجل الذي يجد المرأة مخلوقًا مختلفًا عنه، أو أنها لغز لا يفهمه، أو شيء محاط بالأسرار، وكذلك المرأة التي تجد الرَّجل غامضًا غير قابل للفهم، هذان الاثنان يعجزان عن إقامة علاقة إنسانيَّة عميقة بينهما، أو يعجزان عن الحب؛ لأن المحبِّين يشعرون بالتشابه، ويفرحون بأي تشابه جديد في الذوق أو النظر إلى الحياة أو الميول الفنية … إلخ.

ولهذا فإن الحنين داخل كل رجل ليكون امرأة، وداخل كل امرأة لتكون رجلًا ليس إلا حنينًا طبيعيًّا، وجزءًا من كل إنسان، وقد تميز أعظم الفنانين بقدرتهم على تصوير هذا الحنين وغيره من المشاعر الإنسانيَّة الدفينة.

أمَّا الانحرافات التي سبق وصفُها فهي مبالغات مَرضية لهذا الحنين تنتج عن الخوف الذي يعيشه الأطفال والإحساس بالذنب والنقص. وهي تظهر أكثرَ في الرِّجال؛ لأن الرَّجل الذي يريد أن يكون امرأة يبدو منحرفًا في نظر المجتمع الذُّكوري أكثرَ من المرأة التي تريد أن تكون رجلًا؛ لأن الرَّجل بذلك يخسر رجولته ذات القيمة العالية، أما المرأة فهي لا تخسر وإنما قد تكسب؛ لأنها تنضم إلى الجنس الأسمى.

كلما ازداد الرَّجل نضوجًا وثقةً بنفسه قلَّ تحرُّجه من إظهار الرقة والضَّعف والحنان ويبكي أحيانًا؛ بمعنًى آخر لا يخجل من أن يُظهِر جزءه الأنثوي. وكذلك المرأة كلما ازداد نضوجها وثقتها في نفسها لم تَعُد تتحرَّج من إظهار القوة والإيجابية والشهامة والمروءة والشجاعة والإقدام؛ بمعنًى آخر لا تخجل من إظهار جزئها الذكري.

وهذه قصةٌ حديثة جدًّا تشرح هذا المعنى: الْتَقى شاعرٌ عالمي بارز في أحد المؤتمرات الأدبية بامرأة أديبة بارزة، وشعر الشَّاعر أنه ينجذب لهذه المرأة. وفي اليوم الأخير في المؤتمر الْتَقى الشَّاعر بالأديبة في الحفل الختامي فقال لها معبِّرًا عن شعوره الجيَّاش نحوها: يا عزيزتي، إنَّ جزئي الأنثوي قد انجذَب إلى جزئك الذَّكري.

وابتسمت الأديبة ابتسامةً عريضة، وقالت له: هذه أجمل عبارة غزل سمِعتها في حياتي.

١  انظر: «المرأة والجنس»، ص٣٧.