النظرية الأخيرة

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي
الفصل العشرون

الزواج

لمَّا تحققت كل أحلام رانجيت من حرية وشهرة وزواج من مايرا دو سويزا، بدا له أن عالمه الخاص آخذ في التحسن. غير أنه هناك وضعًا عامًّا ظل يفرض نفسه على تأملات رانجيت الخاصة، ولم يكن هذا الوضع جيدًا على الإطلاق.

خذ الوضع في كوريا الشمالية مثالًا. أولًا، بدا واضحًا أن البلاد شهدت تحولًا في السلطة. وذلك بعد رحيل عاشق الترف المتغطرس كيم يونج إل.

كان هذا الأمر مدعاةً للأسف بصورة ما. فربما كان كيم غريب الأطوار، لكنه من النوع الذي يحجم دائمًا عن شن هجوم فعلي واسع النطاق على جيرانه. أما الآن فهناك هذا الرجل الجديد الذي يُشار إليه دائمًا باسم «الحاكم المحبوب». إن كان للرجل اسم، فعلى ما يبدو أنه اسم رفيع حتى إن الغرب بمكانته الوضيعة لا يستحق شرف التعرف عليه.

لكن إن كانت هوية الحاكم المحبوب سرًّا لا يمكن الإفصاح عنه، فإن كل ما قام به لا يخفى على أحد. أعلن جنرالات «الحاكم المحبوب أن أحدث أجيالهم من الصواريخ النووية تستطيع بسهولة عبور الامتدادات الشمالية للمحيط الهادي. ومعنى هذا أن بوسعهم توجيه ضربة لأرض الولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا، أو على الأقل ألاسكا، وربما الركن الشمالي من ولاية واشنطن. فضلًا عن ذلك تباهى هؤلاء الجنرالات بأن الصواريخ الجديدة جديرة بالاعتماد عليها قطعًا. وهذه التصريحات زادت من قلق الدول المجاورة. حتى إن الدول التي لا تمتلك مخزونًا من الأسلحة النووية تعرضت لضغوط متزايدة من أجل امتلاكها.

ولم تكن بقية مناطق العالم أفضل حالًا. فقارة أفريقيا تقهقرت إلى أسوأ أيامها في القرن العشرين. مرة أخرى شهدت القارة جيوشًا من الجنود الصبية — بعضهم بالكاد في سنوات المراهقة — يجنَّدون بعد أن قُتِلت عائلاتهم ويحاربون من أجل الحصول على حصص من الماس غير المشروعة تجارته أو حتى العاج الأقل مشروعية …

كان الوضع مُحْبِطًا.

***

لكن هناك أمر شغل بال رانجيت عندما فكر فيه، وطُرح هذا الموضوع للمناقشة عندما دخلت السيدة بيتريكس فورهولست عليه أثناء حواره مع المحامي دو سارام لتسأل: «ما الذي تفضلان تناوله على العشاء؟»

هذا هو نفس السؤال الذي لا بد أن يطرحه أحد كل صباح، لكن هذه المرة كان رد الفعل مختلفًا. إذ التفتت مايرا في نظرة متسائلة إلى رانجيت الذي نظر إليها رافعًا حاجبه، ثم تنهد، وتحدث إلى مضيفتهم. وقال: «هذا أمر كنا نتحدث عنه خالتي بيتريكس. نظن أنك ربما ترغبين في استعادة منزلك.»

كانت تلك هي المرة الأولى التي يرى فيها رانجيت نظرة الامتعاض على وجه بيتريكس فورهولست. وردت قائلة: «بُنَيَّ الحبيب، على الإطلاق! نحن سعداء بإقامتكما معنا ما تشاءان. أنتما من العائلة، كما تعرفان. ونحن سعداء بوجودكما هنا، ونتشرف بذلك أيضًا و…»

لكن دو سارام — الذي تفحَّص وجه مايرا — هز رأسه. وقال: «ربما لم نفهم الأمر جيدًا سيدتي. فهما متزوجان. ويريدان منزلًا خاصًّا بهما وليس مكانًا في منزلك، ولهما كل الحق في ذلك. دعونا نتناول كوبًا آخر من الشاي وندرس الخيارات المتاحة. وبالنسبة إلى المكان الذي يمكنكما العيش فيه فلديكما واحد بالفعل يا رانجيت. فمنزل والدك في ترينكومالي أصبح ملكًا لك الآن كما تعلم.»

استدار رانجيت يتفحص وجه مايرا. ورأى رد الفعل الذي توقعه تمامًا. «لا أظن أن مايرا ترغب في العيش في ترينكومالي»، قالها لهما آسفًا؛ لكن مايرا كانت تهز رأسها بالفعل.

قالت مايرا: «ترينكومالي مدينة جميلة. ويسرني أن أعيش فيها، لكن …»

لم تنهِ مايرا جملتها. فتساءل دو سارام في دهشة: «ماذا إذن؟»

أجاب رانجيت بالنيابة عنها. وقال: «كان المنزل رائعًا لعجوز يعيش بمفرده. أما نحن فسنحتاج في الأغلب إلى غسالة ملابس وأخرى للأطباق وجميع الأجهزة المنزلية التي لم يرَ والدي سببًا لامتلاكها، ما رأيك يا مايرا؟ أتودين إدخال تغييرات على منزل والدي؟»

أخذت مايرا نفسًا عميقًا، لكنها تمكنت من حصر ردها في كلمة واحدة: «أجل.»

قال: «بالطبع ترغبين في ذلك. فأنت لن تفضلي هدمه والبدء من لا شيء، أليس كذلك؟ الإجابة لا، أليس كذلك؟ حسنًا. أول شيء نفعله إذن أن نطلب من سوراش أن يجد لنا مهندسًا معماريًّا يرسم مخططات للمنزل الذي لدينا للعمل عليها، فهو يعرف جميع التاميليين في ترينكومالي، وسندعو المهندس هنا مع المخططات لتبدئي معه بوضع الأفكار الابتكارية.» وأضاف: «وسأكون جاهزًا للمساهمة بأفكار كهذه وقت أن تطلبي مني. وفي أثناء ذلك يا مايرا سوف ننتقل إلى أحد الفنادق. ما رأيك في هذا؟»

قطبت السيدة فورهولست جبينها أكثر من أي وقت رآها فيه رانجيت. وقالت: «لا داعي لهذا. لأننا سنسعد للغاية بوجودكما هنا حتى يصير المكان في ترينكومالي جاهزًا.»

نظر رانجيت إلى زوجته، ثم مد يديه. وقال: «حسنًا، لكن لديَّ اقتراح آخر. حبيبتي مايرا؟ ألم أسمعك ذات مرة تقولين شيئًا عن شهر العسل؟»

بدت عليها الدهشة. وردت قائلة: «لم أقل شيئًا كهذا. أعترف بأني أظن أن قضاء شهر عسل سيكون أمرًا رائعًا، لكني لم أتفوه بشيء حول هذا الأمر …»

وافقها رانجيت بقوله: «ليس منذ أن تزوجنا، لكني أذكر ما قلتِه لي تحديدًا في هذه الغرفة قبل بضع سنوات. أخبرتِني عن كل الأماكن الرائعة التي لم أزرها في سريلانكا. دعينا نزُرها إذن بينما الجميع يهيئون لنا ما تبقى من حياتنا.»

•••

أعلنت مايرا أن أفضل مكان للبدء هو الأسهل، ولهذا فقد بدآ بزيارة المكان المخصص لتفريخ السلاحف في كوسجودا؛ لأن مايرا أحبت هذا المكان في طفولتها، ثم زارا كاندي المدينة العتيقة الكبرى على الجزيرة. لكن بعد أسبوع عندما زارا المدينتين وعادا إلى منزل فورهولست، وأراد من في المنزل معرفة أخبار الرحلة افتقرت إجابتاهما إلى الحماس. فقد تعرف عليهما الناس في كوسجودا، وتبعتهما مجموعات صغيرة في كل مكان طوال اليوم. وساء الوضع أكثر في كاندي. فأخذتهما الشرطة المحلية في جولة حول المدينة داخل إحدى سيارات الشرطة. صحيح أنهما شاهدا كل شيء، لكنهما لم يتمكنا ولو لمرة واحدة من التجول بحرية.

وعلى مائدة العشاء أبدت بيتريكس فورهولست تعاطفًا مع رانجيت وهو يوضح أن التجول بالسيارة أمر لا بأس به، غير أنهما كانا يرغبان بشدة في الاختلاط بالآخرين. تنهدت بيتريكس. وقالت: «لا أدري أهذا ممكن أم لا. أنت أفضل ما قد يراه الناس من معالم المدينة. المشكلة أننا نفتقر إلى مشاهير العالم هنا في سريلانكا، وتكاد تكون أنت كل ما نملك.»

اعترضت مايرا. وقالت: «ليس تمامًا. فهناك الكاتب …»

– «صحيح، لكنه نادرًا ما يخرج من منزله. الوضع مختلف على أي حال. إذا كنتما في مكان يعج بنجوم السينما وغيرهم من المشاهير — مثل لوس أنجلوس أو لندن على سبيل المثال — لما احتجتما إلى ارتداء نظارات سوداء، ولن يتعرف عليكما أحد.» ثم تغيرت تعبيرات وجهها. وقالت: «لم لا تفكران في هذا الأمر؟»

وعندما نظر إليها الجميع قالت: «لديكما كل هذه الدعوات من جميع أنحاء العالم، يا رانجيت. لم لا توافقان على عدد منها؟»

غمزها رانجيت بعينه، ثم التفت إلى مايرا. وقال: «ما رأيك؟ أينبغي علينا قضاء شهر عسل حقيقي في أوروبا أم أمريكا أم أي مكان تشائين؟»

نظرت إليه نظرة خاطفة، ثم نظرت حول المائدة وهي تفكر في تمعن. ثم قالت أخيرًا: «أظن أن هذا سيكون رائعًا يا رانجيت. لكن إذا كنا سنفعل ذلك، فلنعجل به.»

رمقها بنظرة متسائلة، لكنه انتقل في الحال إلى الاستفسار عن الدعوات المتاحة لديهما تحديدًا. ولم يفكر رانجيت في سؤالها عن هذا الأمر إلا وهما يستعدان للنوم: «ألا ترغبين في القيام بهذا؟ لأنه إذا لم تكن لديك رغبة …»

وضعت مايرا إصبعًا على شفتيه، ثم قبَّلته فجأة. وقالت: «كل ما في الأمر أني أفكر أنه إذا كنا سنسافر مسافة طويلة، فمن الأفضل أن يحدث ذلك عما قريب. فربما يكون الأمر أصعب لاحقًا. لم أكن لأخبرك إلا بعد أن تؤكد لي الطبيبة، لكني لن أراها إلا يوم الجمعة. أنا متأكدة أني حامل.»