النظرية الأخيرة

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي
الفصل الرابع والثلاثون

البنتومينو والسيارات

كانت ناتاشا سوبرامانيان تتدرب على ركوب الأمواج في مياه البحار الضحلة بجوار منزل والديها عندما رأت تلك السيارة الصفراء الغريبة الشكل. كانت السيارة تنحدر من أحد الشوارع المؤدية إلى الشاطئ، وكانت تبطئ السير عند كل تقاطع. وعندما انحرفت السيارة داخل أحد هذه التقاطعات، كان الشارع الذي سلكته هو نفس الشارع الذي يقع فيه منزل آل سوبرامانيان. لم يكن بوسع ناتاشا أن ترى المنزل نفسه من مكانها وهي تقف على لوح التزلج، لكنها كانت ترى الشارع التالي بوضوح شديد. لم تظهر السيارة في هذا الشارع. ولذا فلا بد أنها توقفت بجوار أحد المنازل في شارعهم، عندئذٍ لم تجد ناتاشا بدًّا من التساؤل هل قصدت تلك السيارة منزلهم.

كانت ناتاشا تدرك أيضًا أن وقت الغداء قد أوشك، الأمر الذي جعلها تسرع بالرجوع إلى الشاطئ. وهناك رأت أن السيارة الصفراء متوقفة بالفعل عند مدخل منزلها … لكنها شهدت تغيرًا لافتًا للنظر في أثناء الوقت الذي استغرقته ناتاشا في الوصول إلى المنزل. إذ اختفى جزء كبير من المقعد الأمامي بما في ذلك المكان المخصص للسائق. وعندما دخلت المطبخ شاهدت رجلًا عجوزًا مرتديًا ثياب الرهبان يجلس أمام المائدة ويراقب روبرت وهو يرتب واحدة من ألعاب تجميع الصور المقطعة. وإلى جوار الرجل رأت الجزء المفقود من السيارة مثبتًا على عجلتين ذواتَي إطارين من المطاط، في حين كان الرجل يهمهم بصوت خفيض.

مرت سنوات لم تشاهد فيها ناتاشا الراهب العجوز، لكنها عرفته على الفور. فقالت: «أنت سوراش الذي اعتاد أن يغير لوالدي حفاضه. ظننت أنك تحتضر.»

رمقتها والدتها بنظرة حادة. لكن سوراش ابتسم وربت على رأسها. وقال: «كنت أحتضر بالفعل. وما زلت الآن كذلك، وهذه حالنا جميعًا، لكني لم أعد حبيس المنزل منذ أن أعطوني هذه.» أبعد الراهب روبرت من مكانه، وأشار إلى المركبة ذات العجلات خلف الكرسي الذي يجلس عليه. ثم قال «وعدتُ والديك أن أريهما كيف تعمل. فلتأتِ معنا يا ناتاشا.»

عندما انتقل سوراش من كرسيه على المائدة إلى مقعد هذه المركبة الغريبة ذات العجلتين لاحظت ناتاشا مدى ضعفه ووهنه. لكن ما إن جلس على المقعد حتى أدار عصا القيادة الخاصة بهذه المركبة بيد ثابتة، ودفعها بسرعة عبر الباب الذي فتحه رانجيت مسرعًا.

وعندما ثبت سوراش مركبته ذات العجلتين داخل الفجوة الموجودة في مقدمة السيارة المتوقفة أمام المنزل، سُمعت أصوات متلاحقة نتيجة دوران بعض التروس. انبثق من الجزء الرئيسي للسيارة مقابض قوية ثبتت الكرسي ذي العجلتين في مكانه. أيضًا انبعث من المحرك صوت صفير منخفض، وبدأت سحابة بيضاء نقية تنبعث من أنبوب العادم في مؤخرة السيارة. صاح سوراش: «ضعوا أيديكم فيها إذا شئتم. فكل ما أحرقه في هذه المركبة هو الهيدروجين.»

أجابه رانجيت: «لدينا فكرة عن السيارات التي تستخدم الهيدروجين كوقود.»

أومأ الراهب المسن برفق. ثم تساءل: «لكن أتعرفون شيئًا عن هذا؟» ثم أوضح كيف أن المركبة بأكملها — ما إن تُرفق عربته الشخصية ذات العجلتين بها — تتحول إلى سيارة يمكنه قيادتها على الطريق والانتقال بها بسهولة إلى أي مكان يرغب في الذهاب إليه.

بعدئذٍ أصرت مايرا على أن الوقت قد حان لتناول الغداء. ودار بينهم حديث ودود طويل. غلب عليه طابع المودة. أراد سوراش أن يعرف كل شيء عن عمل رانجيت في الجامعة، وآمال ناتاشا في استغلال بعض مهاراتها في الإبحار من أجل المشاركة في سباق الأشرعة الشمسية الفضائي الذي سيعقد بعد عام، ومهارات روبرت المذهلة في ألعاب تجميع الصور المقطعة، وأيضًا كفاح مايرا من أجل مواكبة آخر التطورات في عملها. أراد سوراش أيضًا أن يخبرهم عما يجري في المعبد الكبير في ترينكومالي، والأماكن التي زارها باستخدام سيارته الجديدة — تباهى سوراش بأنه زار كل مكان في الجزيرة سعيًا لاستكمال رحلة الحج إلى أشهر المعابد الهندوسية في سريلانكا التي طالما اشتاق إليها — والأهم من ذلك مدى الكفاءة التي تعمل بها السيارة.

لكن من أين له بهذه السيارة الجديدة الرائعة؟ أجاب سوراش على الفور: «من كوريا. لقد بدءوا للتوِّ في تسويقها، واستطاع أحد أقاربي أن يحصل لي على هذه.» ثم أضاف والبهجة تغمره: «أليس رائعًا أنه باستخدام القليل من الجهود التي نهدرها في خوض غمار الحروب والاستعداد لها تمكنا من تحقيق إنجازات كثيرة في نواح أخرى؟ مثل هذا الشيء الذي يطلقون عليه اسم كاشف الرنين النووي رباعي الأقطاب المستخدم في الكشف عن الألغام المدفونة في باطن الأرض، وهناك أيضًا جهاز يشبه روبوتًا صغيرًا لتنظيف الأتربة عن الألغام ووضعها جانبًا دون أن يتعرض أحد للأذى! لقد أزالوا الألغام من كل ساحات المعارك القديمة تقريبًا بجوار ترينكومالي. أيضًا طوروا ذلك النوع من الإيروسولات الذي يحتوي على هرمون مُعدَّل وفقًا للحمض النووي للبعوض الناقل للأوبئة، فضلًا عن الطائرات الآلية الصغيرة التي تجوب المكان لرش هذا البعوض والقضاء عليه. وغير ذلك الكثير. إننا ندين بالكثير لذلك «الرعد الصامت»!»

أومأ رانجيت، ونظر إلى زوجته. حركت زوجته رأسها للخلف فجأة، وقالت: «لم أقل أبدًا إنه سيئ كليةً، أليس كذلك؟»

•••

وعندما انصرف سوراش أخيرًا — والبخار ينبعث من سيارته المعقدة الغريبة أثناء ابتعادها عن المنزل — عاد رانجيت إلى الداخل. قالت مايرا: «إنه عجوز رائع.»

وافقها رانجيت دون تردد. ثم قال: «أتعرفين الأماكن التي زارها مستخدمًا هذه السيارة الغريبة؟ لقد بدأ رحلته بزيارة معبد ناجيوليسفارام شمال جافنا. لا أعرف كم عدد المعابد الأخرى التي زارها، لكنه عندما زار معبد ميونيسفارام كان على مقربة من شمال كولومبو، ولا شك أنه لن يزور المدينة دون أن يمر علينا. إنه يتجه الآن جنوبًا إلى كاتيركامام على الرغم من أن البوذيين هم الأكثر استخدامًا لهذا المعبد الآن. أظن أيضًا أنه سيزور محطة مصعد الفضاء.» وتردد رانجيت ثم أضاف في ترو: «سوراش مهتم بالعلم اهتمامًا بالغًا، أتعرفين ذلك؟»

رمقته مايرا بنظرة حادة، وقالت: «ما الأمر يا رانجيت؟»

هز كتفيه في حركة لامبالية، لكنه لم يتجاهل الموضوع تمامًا. ثم قال: «أوه … أول شيء قاله عندما كنا في الخارج هو تذكيره لي بأني لا أزال أمتلك منزل والدي القديم، وأنه ما زال شاغرًا هناك.»

قالت مايرا: «حسنًا، لكنك تعمل هنا.»

قال: «أجل، لقد أخبرته بذلك. وبعدها سألني هل اعترتني دهشة عندما تَحَدَّث عن أمور علمية مثل سيارته الجديدة بهذه الطلاقة التي تحدث بها. وقال لي «تعلمت على يد والدك يا رانجيت. يمكن للمرء أن يؤمن بالدين ويحب العلم في الوقت نفسه.» ثم بدا جادًّا للغاية وقال: «ماذا إذن عن العكس؟ أيمكن للمرء أن يحب العلم وفي الوقت نفسه يُجِلَّ الرب؟ ماذا عن أبنائك يا رانجيت؟ أي نوع من التعليم الديني يتلقون؟» ولَمْ ينتظر مني ردًّا لأنه كان يعرف الرد مقدَّمًا.»

قالت مايرا: «أنت محق»؛ لأنها كانت تعرف الرد هي الأخرى، وتعرف أيضًا أن سماع الرد كان سيؤذي مشاعر سوراش. سبق لمايرا ورانجيت أن تحدثا منذ زمن بعيد عن موضوع الدين واتفقا على رأي واحد. فلو استشهد رانجيت بفيلسوف القرن العشرين المغمور الذي قال ذات مرة: «اختلق الشيطان كل الأديان ليحجب الرب عن البشرية» لأجابته مايرا: «ربما تكون المأساة الكبرى في تاريخ البشرية بأسره هي بسط الكنيسة سيطرتها على المبادئ الأخلاقية. إنها لا تدري في أي شيء تستخدمها. وتظن أنها محددة وفق إرادة شخص لا وجود له.»

ومع ذلك كانت مايرا مدركة لكَمِّ الحب الذي يكنُّه زوجها للراهب العجوز. ولمَّا لم تجد لديها من الأفكار ما ترضي به جميع الأطراف عمدت إلى تغيير الموضوع. فقالت: «أرأيت ما كان يفعله روبرت أمام سوراش عندما دخلْتَ علينا؟»

طرف رانجيت بعينيه. وقال: «كلَّا … بل انتظري لحظة. كان يرتب واحدة من ألعاب تجميع الصور المقطعة الصغيرة، أليس كذلك؟»

أجابت مايرا: «ليست صغيرة إلى هذا الحد يا رانجيت. فقد ضمت اللعبة التي رتبها في المطبخ خمسمائة قطعة. علاوة على أنه كان يفعل شيئًا آخر.»

توقفت مايرا، وارتسمت على وجهها ابتسامة. وبذا أثارت فضول رانجيت كما أرادت. فسألها متلهفًا: «ألن تخبريني بهذا الشيء؟»

قالت: «من الأفضل أن تشاهد بنفسك. دعنا نصعد إلى غرفته.» لم تقل مايرا شيئًا آخر إلى أن دخلا غرفة روبرت. كان روبرت يجلس أمام الكمبيوتر ويشاهد مجموعة صور للحيوانات، رفع روبرت بصره، وارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة. قالت أمه: «عزيزي روبرت، ما رأيك أن تُرِي والدك لعبة البنتومينو؟»

•••

لم يكن اهتمام روبرت بالبنتومينو مفاجأة لرانجيت. فهو أيضًا كان مولعًا بها في الخامسة أو السادسة من عمره، وهو أول من حاول إثارة اهتمام الفتى بها. تحلى رانجيت بطول البال وهو يشرح لروبرت فكرة المكعبات الصغيرة، قائلًا: «أتعرف شكل حجر الدومينو؛ هو يتخذ شكل مربعين متجاورين. إذا وضعت ثلاثة مربعات بعضها بجوار بعض يمكنك أن تطلق عليها اسم ترومينو، وهي تتخذ شكلين أحدهما حرف I والآخر حرف L. هل تفهم ما أعني؟»

حدق روبرت النظر باهتمام أثناء شرح والده، لكنه لم يُبد استجابة تدل على استيعابه. ومع ذلك استطرد رانجيت في حديثه. قائلًا: «إذا كان لديك أربعة مربعات، فستطلق عليها اسم تترومينو، وسوف تتخذ أربعة أشكال …»

ورسم رانجيت بسرعة:

وأضاف رانجيت: «هذا إذا أهملنا الدورانات والانعكاسات»، ولم يكن هناك بد من توضيح معنى الدورانات والانعكاسات. وأردف قائلًا: «ليس هناك ما يثير الاهتمام في أشكال التترومينو على وجه التحديد، أما إذا وضعت خمسة مربعات بعضها بجوار بعض، فسوف يتغير الوضع!» لأننا — كما أوضح رانجيت — سنحصل على اثنتي عشرة وحدة بنتومينو تتكون كل منها من خمسة مربعات. وعندما تضع هذه الوحدات بعضها بجوار بعض سيصبح لديك سطح مغطى بستين مربعًا.

وهو ما يثير تساؤلًا على الفور: هل يمكنك تكوين سطح من ستين مربعًا — على سبيل المثال في صورة مستطيل أبعاده ٥ × ١٢ أو مستطيل آخر أكثر طولًا أبعاده ٢ × ٣٠ — باستخدام الاثنتي عشرة وحدة، بحيث يُغَطَّى السطح بالكامل دون أن يتبقى أي مربعات؟

كانت الإجابة — التي أبهرت رانجيت صاحب الأعوام الخمسة — أنه لا يمكن القيام بهذا فحسب، وإنما يمكن القيام به بما لا يقل عن ٣٧١٩ طريقة مختلفة! فهناك ٢٣٣٩ طريقة لتكوين السطح ذي الأبعاد ٦ × ١٠ وأيضًا ١٠١٠ طريقة لتكوين السطح ذي الأبعاد ٥ × ١٢، وهكذا.

لم يستطع رانجيت أن يحدد مقدار ما نفذ إلى عقل روبرت من وراء تلك التعبيرات الحنونة المرحة المرتسمة على وجهه. بعد ذلك أبدى روبرت تعاونًا بأن شغَّل البرنامج على الكمبيوتر التعليمي. وعلى الفور بدأ البرنامج يستعرض تباعًا صور جميع الأسطح المختلفة المكونة من وحدات البنتومينو بدءًا من السطح ذي الأبعاد ٥ × ١٢، ثم ٦ × ١٠، وهكذا حتى النهاية.

عندئذٍ كادت دهشة رانجيت توازي سعادته. فقد تمكن روبرت «المعاق» من تحديد وعرض جميع أشكال البنتومينو، وهو أمر يئس رانجيت نفسه من النجاح فيه كل هذه السنوات الماضية! قال رانجيت وهو يمد يده ليعانق ابنه: «لقد قمت بعمل رائع يا روبرت.»

ثم توقف، وأخذ يحدق في الشاشة.

كان البرنامج قد انتهى من عرض أشكال البنتومينو. وتوقع رانجيت أن يتوقف البرنامج من تلقاء نفسه. لكن ذلك لم يحدث. بل انتقل إلى الخطوة التالية، وهي ترتيب أشكال الهيكسومينو؛ أي الوحدات المكونة من ستة مربعات.

لم يتحدث رانجيت مع ابنه عن أشكال الهيكسومينو من قبل. فهو موضوع بالغ التعقيد حتى إن رانجيت على يقين أن روبرت لن يستطيع فهمه. والسبب في ذلك هو وجود خمسة وثلاثين وحدة مختلفة من وحدات الهيكسومينو، وعند وضع هذه الوحدات بعضها بجوار بعض فإنها تغطي سطحًا يضم مائتين وعشر وحدات. وهكذا كان ترتيب أشكال الهيكسومينو عملًا مُحبطًا لم يلقَ قبول رانجيت الصغير أثناء طفولته منذ زمن بعيد. فأي شخص عقلاني سيعتقد أنه يمكن استخدام الخمس والثلاثين وحدة هيكسومينو لتغطية هذا العدد الهائل من المستطيلات المائتين وعشرة دون أن تتخللها فراغات. غير أنه سيكون مخطئًا في اعتقاده. لا يوجد مستطيل واحد — أيًّا كانت أبعاده — يمكن أن يغطَّى سطحه بوحدات الهيكسومينو بأي صورة على الإطلاق. ففي جميع الحالات سوف تتبقى أربعة مربعات خالية على الأقل بصورة يتعذر إصلاحها.

ومن الواضح أن مهمة كهذه ستكون شاقة ومحبطة للغاية لروبرت المعاق.

لكن روبرت في عالم الواقع أثبت أنه ليس معاقًا على الإطلاق! فشاشة الكمبيوتر كانت تعرض أشكال الهيكسومينو المرتبة واحدًا تلو الآخر. لم يرضَ روبرت باليأس. وقرر أن يُكمل جميع الأشكال بنفسه.

وعندما عانق رانجيت ابنه، كادت قوة عناقه أن تلوي عظامه، وهو ما جعل روبرت يتلوى ويصدر صوتًا مكتومًا وإن كانت تغمره سعادة بالغة.

على مدار سنوات استمر الأشخاص المفترض أن يساعدوا مايرا ورانجيت في حل «مشكلة روبرت» في مواساتهما بنفس الكلمات غير المقنعة: لا تفكرا فيه على أنه عاجز. بل اعتبرا أنه «قادر ولكن بصورة مختلفة».

لكن رانجيت لم يقتنع بهذا الكلام. حتى جاء هذا اليوم الذي اكتشف فيه أن ابنه يتقن القيام بشيء أفضل من أي شخص عرفه رانجيت.

وعندما هبطت الأسرة إلى الطابق السفلي لمواصلة أعمالها اليومية المؤجلة والعودة إلى عالم الواقع وجد رانجيت وجنتيه مبللتين بدموع الفرح. كاد رانجيت سوبرامانيان أن يتمنى للمرة الأولى في حياته أن يكون هناك رب — أي رب — في هذا الكون يمكنه أن يؤمن به، حتى يجد من يقدم له شكره.

•••

في هذه اللحظة توقف «بيل» — في طريق عودته إلى موطنه — فترةً قصيرةً في المنطقة المجاورة لهذا الكوكب المزعج الذي يسميه قاطنوه باسم كوكب الأرض. ومع أنها لم تكن وقفة طويلة فإنها كانت كافية لأن ينهل مليارات المليارات من المعلومات المتعلقة بما كان يفعله سكان الأرض المحكوم عليهم بالهلاك حينئذٍ، والأهم من ذلك بكثير الفعل المُنْكَر الذي أتى به ممثلو «عظماء المجرة» — وهم «تساعيو الأطراف» — من تلقاء أنفسهم.

لا يمكن القول إن ما قام به «تساعيو الأطراف» كان على درجة من الأهمية ليشغل بال عظماء المجرة. لم يكن هناك سبب يدعو «عظماء المجرة» للخوف من بضعة مليارات من البشر الغوغائيين المنتمين لطائفة الثدييات بما يمتلكونه من أسلحة نووية انفجرت ودكَّت كل شيء حولها أو ذلك النوع النووي الآخر من السلاح الذي تتولد عنه نبضات كهرومغناطيسية تؤثر تأثيرًا مدمرًا على النبضات الكهرومغناطيسية في الدولة المعادية. لم تكن هذه الأمور البسيطة تمثل أهمية لدى عظماء المجرة. فربما يكون خوفهم من هؤلاء البشر بقدر خوف جنرال من البشر يسيطر على قنبلة هيدروجينية من لعنة إحدى الغجريات.

ومع ذلك فإن «تساعيي الأطراف» — بسماحهم للبشر برؤيتهم — قد فعلوا شيئًا غير مسموح لهم به؛ وإن لم يكن ممنوعًا منعًا باتًّا.

لا بد من اتخاذ إجراءات. ولا بد من إصدار قرارات إذن.

وللمرة الأولى في حياته تساءل «بيل» هل يمكنه اتخاذ قرارات كهذه بمفرده، أم أنه بحاجة إلى الانضمام مرة أخرى إلى غيره من «عظماء المجرة» للتفكير في تبعات تلك القرارات.