النظرية الأخيرة

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي
الفصل الخامس والأربعون

البحث عن حل

عندما رافق نايجل دو سارام أسرة سوبرامانيان إلى مقر الرئاسة، كانت آثار تقدم السن التي ظهرت على داتوسينا باندارا أول شيء استوقف رانجيت. لم يكن هذا الأمر مفاجئًا تمامًا. فالرئيس ناهز التسعين عامًا. لكنه بدا حينئذٍ أكثر وهنًا عن آخر مرة التقى فيها رانجيت أثناء تنصيبه رئيسًا. غير أن صوته كان واضحًا قويًّا أثناء ترحيبه بهم. قبَّل باندارا كلًّا من مايرا وناتاشا، وصافح كلًّا من رانجيت وروبرت بحيوية بالغة، وهو ما فعله جاميني لكن مع اختلاف أنه عانق رانجيت وروبرت بدلًا من مصافحتهما. قال جاميني: «نشكركم على قدومكم. طلبنا شايًا للكبار» — وغمز بعينه إلى ناتاشا التي ردت عليه بابتسامة معبرة عن الامتنان لاعتبارها من الكبار — «وعصير فاكهة لروبرت. وإذا ملَّ روبرت الاستماع إلينا، فهناك جهاز لألعاب الفيديو بجوار النافذة.»

قالت مايرا: «سيكون هذا أمرًا رائعًا. فهو يحب لعبة الشطرنج الثلاثية الأبعاد.»

– «عظيم. هل سوَّى الدكتور نايجل مشكلاتكم فيما يتعلق بمسألة التجنيد؟»

قال رانجيت: «أظن ذلك. هذا ما نأمله على كل حال.»

«إذن دعونا نركز على الموضوع الأهم. يسبب لنا العجوز أوريون بليدسو الكثير من المشكلات. دعونا نبدأ بسماع ما يفعله معكم.»

أجاب نايجل دو سارام عن هذا السؤال بسرعة وباختصار. فأومأ جاميني برأسه، ثم توجه بالكلام لأسرة سوبرامانيان. فسألهم: «هل لاحظتم الجهة التي وردت منها رسالته؟»

هزت مايرا رأسها. وقطب رانجيت جبينه. وقال: «في الواقع لاحظت شيئًا. لم تكن الرسالة من واشنطن. ولا من مكتبه في كاليفورنيا. أظن أنها مرسلة من مكان ما في أوروبا.»

نظر جاميني إلى والده الذي أومأ في تؤدة. قال الرئيس: «الرسالة واردة من بروكسل. فبسبب الضغط الأمريكي أصدر البنك الدولي أمرًا للمصريين برفض عرض الذهب، والعقيد بليدسو هو الذي ضغط عليهم.»

تحدث جاميني باندارا. فقال: «كل هذا بسببي. بدا لي أن بليدسو هو الرجل الذي يمكنني الاستعانة به لاستخراج التصريح الأمني الذي كنتَ بحاجة إليه للانضمام إلينا في منظمة السلام عن طريق الشفافية. كانت الحكومة الأمريكية سببًا في طلب هذا التصريح؛ لأنهم بالتأكيد لم يرغبوا في تمكين أي شخص لا يتمتع بتصريح أمني على أعلى مستوى من المشاركة في سلاح «الرعد الصامت»، خُيِّل إليَّ أن بليدسو هو الشخص المناسب لاستخراج هذا التصريح لك.» ثم هز رأسه بوجه عابس. وأضاف: «كان قرارًا خاطئًا. كان يجدر بي البحث عن وسيلة أخرى. فهو لا ينفك يثير القلاقل منذ ذلك الحين.»

قال والده: «لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب. السؤال المهم هنا: ما الذي يمكننا عمله؟ مِصر حقًّا بحاجة ماسة إلى المال.»

قطبت مايرا جبينها. وقالت: «لِمَ يتعين عليهم الاستماع إلى البنك الدولي؟ لِمَ لا يقبلون عرض الكائنات الفضائية فحسب؟»

قال الرئيس في شيء من الأسى: «أتمنى لو كان ذلك بوسعهم يا عزيزتي مايرا. سوف يلجأ البنك إلى الثأر عن طريق إلغاء الاعتمادات المالية التي يتمتع بسلطة إلغائها، وإيقاف ما يمكن إيقافه من المنح، وإبطاء جميع الإجراءات الأخرى.» وهز الرئيس رأسه. ثم أضاف: «للأسف لم يخطئ الأمريكيون بشأن تأثيرات ضخ هذه الكمية من رأس المال الجديد؛ فقد يفضي ذلك إلى حدوث مشكلات خطيرة على الأسواق العالمية. وربما تسفر عن إفلاسنا هنا.»

ثم أطرق الرئيس برأسه. كانت ناتاشا تجلس بجواره على الأرض وقد وضعت ساقًا فوق الأخرى وبدت عليها علامات القلق. فسألها: «أتودين أن تقولي شيئًا يا عزيزتي؟»

أقرت ناتاشا: «أجل. لماذا مصر دولة فقيرة؟ كنت أظن أن السد العالي في أسوان وضعها في مصاف الدول الغنية.»

ارتسمت على وجه الرئيس ابتسامة حزينة. وقال: «هذا ما ظنه الكثيرون. يمكن لسد أسوان إنتاج كميات هائلة من الطاقة الكهربية، لكن لا يمكنه القيام بشيئين في وقت واحد. فالوصول إلى الحد الأقصى من إنتاج الطاقة سوف يؤثر سلبًا على الناتج الزراعي، وهم بحاجة ماسة إلى الغذاء.» هز باندارا رأسه. وأضاف: «يمكن للمال أن يصنع المعجزات في مصر. مثل بناء المئات من مصانع الطاقة الجديدة على سبيل المثال.»

سألت ناتاشا: «ولم لا يقومون بذلك على أي حال؟»

نظر إليها الرئيس نظرة ترفق. وقال: «هم يتمنون ذلك. لكنهم لا يستطيعون. إنهم لا يملكون المال. وهم لا يملكونه منذ فترة طويلة. لذلك فإن السبيل الوحيد أمامهم لبناء مصانع جديدة يكون باتباع نظام البناء والامتلاك والتشغيل والتحويل. حيث يقوم القطاع الخاص بتمويل بناء المصانع وتصبح ملكًا له يحصد منها الأرباح على مدار عدد من السنوات قبل تحويل ملكيتها إلى الدولة. لكن عندئذٍ يكون قد مر على بناء هذه المصانع وقت طويل وربما لا تكون آمنة تمامًا كما يفترض.» وهز الرئيس رأسه مرة أخرى. وأضاف: «هذا ما أكده لي صديقي حميد. سيشعر بالاستياء إذا عرف الأمريكيون أنه أخبرني بذلك.»

تنهدت ناتاشا. وقالت: «وما العمل إذن؟»

جاءها الرد من شخص لم يكن يُتوقع رده. إذ رفع روبرت بصره عن شاشته. وقال مستنكرًا: «القاعدة الذهبية.»

نظر إليه نايجل دو سارام نظرة ود. وقال: «ربما تكون محقًّا في ذلك يا روبرت.»

تجهم جاميني باندارا. ثم تساءل: «محق بشأن ماذا؟»

– «حسنًا، بشأن القاعدة الذهبية. عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به. هذا أبسط وصف أعرفه لعالم مطبوع على حب الخير، وإذا التزم الجميع بهذا المنهج — نحن والأمريكيون والكائنات الفضائية والعالم أجمع — فإنني على يقين من أن عددًا كبيرًا من المشكلات سوف يُحل.»

نظر جاميني بارتياب إلى صديق والده. وتساءل: «لا أقصد الإساءة يا سيدي، لكن أتظن حقًّا أن كائنات «واحد فاصل خمسة» سوف تتأثر بمقولة قديمة منشؤها معتقدات بعض الشعوب البدائية؛ أعني ديانات بعض الشعوب؟»

قال المحامي على نحو قاطع: «ليس لديَّ شك في ذلك. القاعدة الذهبية ليست مجرد معتقد ديني. فقد عبر آخرون عن نفس المعنى بعبارات مختلفة دون التوسل إلى قوة خارقة. فهناك على سبيل المثال فيلسوف العقل المحض إيمانويل كانْت. كان ما قاله هو …» أغلق دو سارام عينيه هنيهة، ثم ردد الكلمات الشهيرة: «تصَرَّف دائمًا وفق القاعدة التي تجعلك تتمنى أن لو كانت تلك القاعدة قانونًا كونيًّا. أليست هذه قاعدة روبرت الذهبية بالضبط؟ تلك التي أطلق عليها كانْت اسم «الإلزام المطلق». كان يعني أنه ينبغي على جميع البشر — وأظن جميع الكائنات الفضائية أيضًا إذا أطلق كانْت خياله للتفكير في هذه الأشياء — اعتماد تلك القاعدة كقاعدة سلوكية رئيسية دون استثناءات.» داعب دو سارام شعر روبرت في حنان. وقال: «كل ما عليك الآن يا روبرت أن تقنع والدك بإثبات هذه النظرية تحديدًا، وسوف يصبح العالم مكانًا أفضل.» ثم ألقى نظرة على الجانب الآخر من الغرفة حيث جلس رانجيت أمام الشاشة التي تعرض ما تقوم به كائنات «واحد فاصل خمسة» من أنشطة لا حصر لها. وصاح: «ألا ترغب في المحاولة، يا رانجيت؟»

وعندما رفع رانجيت بصره كان يرتسم على وجهه تعبير ملائكي، لكنه لم يكن ينظر إلى نايجل دو سارام. قال رانجيت: «جاميني، هل تذكر عندما كنا نناقش — منذ سنوات طويلة — موضوعًا لإحدى المحاضرات التي حضرتُها؟ حول فكرة طرحها الإسرائيليون — وأطلقوا عليها اسم المشروع الشمسي المائي — من أجل توليد الكهرباء في البحر الميت؟»

لم يستغرق جاميني أكثر من نصف ثانية للتفتيش بين ذكرياته القديمة. وقال «لا. ما الذي تتحدث عنه؟»

قال رانجيت متباهيًا بالفكرة التي توصل إليها: «اكتشفتُ أخيرًا السبب الذي ربما يدفع كائنات «واحد فاصل خمسة» إلى حفر هذا النفق! ربما يبنون مصنعًا لتوليد الكهرباء! حسنًا، لن يسمح الأمريكيون بتقديم الكائنات الفضائية كل تلك الأموال للمصريين، لكنهم لا يستطيعون الاعتراض على مشاركة الكائنات الفضائية بعض الطاقة الكهربائية مع المصريين الذين هم في أمسِّ الحاجة إليها!»