النظرية الأخيرة

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي
الفصل السادس والأربعون

التوصل إلى اتفاق

لمَّا كانت هناك حاجة إلى اتخاذ قرارات مهمة اجتمع نحو ثمانية عشر أو عشرين من الكائنات الفضائية، وضم هذا الاجتماع «تساعيي الأطراف» وكائنات «واحد فاصل خمسة» بل وعددًا قليلًا من «المخزنين في الآلات» الذين كانوا يقودون الأسطول. كان مكان الاجتماع في السابق منصة للعميد البحري في أسطول غزو «واحد فاصل خمسة»، أما الآن فقد صار شبيهًا إلى حدٍّ ما بالكرملين أو المكتب البيضاوي. كان الحشد مثيرًا لاشمئزاز كائنات «واحد فاصل خمسة»؛ لأن معظمهم كان يرتدي أقل ما يمكن ارتداؤه من الملابس الواقية، ومن ثم كانوا أكثر عرضة من أي وقت آخر لأصوات كل هؤلاء الآخرين ومناظرهم وروائحهم.

من بين جميع كائنات «واحد فاصل خمسة» كانت المسئولة عن حمايتهم من المشكلات هي أقلهم رضا عن كل تلك المدخلات الحسية. كان لقبها الرسمي «مكتشفة المغبَّات»، لكنهم دائمًا ما كانوا ينادونها باسم «القَلُوقَة». والواقع أن أكثر ما كانت تنفر منه «القلوقة» هو اضطرارها إلى حضور محاضرة يلقيها كبير المحكِّمين من «تساعيي الأطراف» حول التقنيات البشرية العتيقة. في حقيقة الأمر لم تكن «القلوقة» تهتم لأي علاقة مع «تساعيي الأطراف» خاصة تلك العلاقات التي يُحتمل أن تتضمن لمس أطرافهم التسعة الصغيرة البغيضة. لكن في بعض الأحيان لا يكون أمامها خيار آخر.

كان الجزء الذي يُدَرَّس لهم آنذاك حول تصميم الآلات الميكانيكية البشرية ذي أهمية بالغة لدى البشر. والواقع أن «القلوقة» أقرت أن تلك أفكار مبتكرة. فالمياه تأتي من البحر وتهبط على قاع منخفض القطارة لتدير التوربينات هناك من أجل توليد الكهرباء. سألت «القلوقة» المتحدث باسم «تساعيي الأطراف»: «وهذه الكهرباء هي التي تحتاج إليها تلك الكائنات؟»

أجاب «تساعي الأطراف» قائلًا: «هذا ما وعدتموهم به. لديَّ صورة من الاتفاق إن كنت تودين رؤيتها.»

وبالفعل كان هذا الكائن يمد أحد أطرافه المُعالجة بعصا بيانات. انتفضت «القلوقة»، وابتعدت قليلًا. ولما لم تكن ترغب في إخفاق هذه المفاوضات فقد طرحت تعليقًا إيضاحيًّا، وقالت: «عندما أشرتم بهذا العرض أول مرة ظننت أنكم كنتم تفكرون في تعليمهم تجميع الطاقة الفراغية مثلما نفعل. أنا سعيدة أننا لا نقوم بهذا. لأنه قد يثير غضب «عظماء المجرة» عندما يعودون.»

لم يرد «تساعي الأطراف». واستطردت «القلوقة». فتساءلت: «وما هذا الشيء الذي يسمونه «الإلزام المطلق»؟»

أخفى «تساعي الأطراف» تثاؤبه. وقال: «إنها الطريقة التي تود هذه الكائنات أن تدير كوكبهم بها. وهم يريدوننا أن نفعل الأمر نفسه. وواقع الأمر أن …» — أشار بطرفه التاسع إلى أحد الطيارين من «المخزنين في الآلات» الذي كان يتابع المحادثة مع مترجِمِه من «تساعيي الأطراف» — «انتقال التكنولوجيا بدأ بالفعل.»

تنهدت «القلوقة» التي كانت تعي ذلك جيدًا. وقالت: «وعندما يعود عظماء المجرة، ماذا ستقولون لهم؟»

أصدر «تساعي الأطراف» صفيرًا متبرمًا. وأجاب: «ربما يعودون في غضون ثانية من الآن أو في غضون عشرة آلاف عام. فمقياس الوقت لديهم مختلف. أنتِ تعرفين «عظماء المجرة».»

حدقت «القلوقة» النظر إلى «تساعي الأطراف» هنيهة. ثم قالت وهي ترتجف داخل درعها الخفيف: «في الواقع نحن لا نعرف عنهم شيئًا على الإطلاق. ومع ذلك، فإننا نقبل العرض ما دام لا يوجد بديل آخر. وإن كان الحظ حليفنا عند عودة «عظماء المجرة» ربما نكون جميعًا في عداد الموتى.»

•••

قبل عودة «القلوقة» إلى مركز القيادة أصرت على غمر المكان بالغازات المتأينة. وعلى الرغم من ذلك، فقد توقفت عند الباب لتشم المكان قبل دخوله.

دفع ذلك شاغلي المكان إلى التصرف كما لو كانوا يتبادلون ابتسامات ساخرة ولكن على طريقة «واحد فاصل خمسة». لكن الوحيد الذي رفع صوته كان ذلك الكائن الذي يُدعى «المدير». فقال لها: «لقد ذهبوا، يا «قلوقة». بل واختفت روائحهم أيضًا. لم يعد هناك ما يدعو إلى الخوف.»

نظرت إليه «القلوقة» نظرة استنكار وهي تتخذ مقعدها. لكنه في النهاية لم يكن أرفع منها مكانة وفق التدرج الوظيفي بين كائنات «واحد فاصل خمسة» فحسب، بل كان رفيقها عندما تتاح الفرصة لذلك. قالت له هو ومن كانوا معه في الغرفة: «تعرفون أنني لا أخاف من «تساعيي الأطراف». أتودون أن أخبركم بسبب نفوري منهم؟»

قال المدير برقة: «رجاءً أخبرينا.»

قالت: «لست أنفر منهم بسبب رائحتهم المقززة، ولا لأن طرفهم التاسع — الذي يستخدمونه في تداول الأشياء — هو العضو التناسلي لديهم في الوقت نفسه. هذه أشياء بغيضة. في بعض الأحيان يحاولون لمسي بهذا العضو، وهو أمر مقزز. لكن لا حيلة لهم في تغيير طبيعتهم البيولوجية، أليس كذلك؟»

أكد المدير: «بلى»، وضجت الغرفة بهمسات صاخبة من الآخرين يؤيدون قوله.

قالت: «لكنهم يستطيعون المساعدة في تعليمنا سكان هذا الكوكب وتقديم النصح لهم حتى يصيروا على نفس درجة تحضرنا. لا نستطيع أن نقبل أن تتم كل تعاملاتنا معهم عن طريق «تساعيي الأطراف»؛ لأنهم الوحيدون الذين يتحدثون لغاتهم.»

انقطعت أصوات الهمس فجأة. حتى المدير ظل صامتًا هنيهة قبل أن يجازف بالكلام: «رؤساؤنا لا يريدوننا أن نتحدث مع الأجناس الأخرى مباشرة. وهذا هو سبب تفويض «تساعيي الأطراف» دون غيرهم بتعلم مهارات اللغة.»

كانت «القلوقة» مصرة على رأيها. فقالت: «لكن رؤساءنا ليسوا هنا الآن. ولدينا مضمار واحد مناسب نسير فيه من أجل المستقبل. لا بد أن نبدأ تعلُّم لغات البشر على الفور … أم أنكم تفضلون أن يحذو هؤلاء البشر عندما يتطورون حذو «تساعيي الأطراف» بدلًا منا؟»