مخرج
سار المستر جرايند عائدًا من المدرسة إلى بيته وهو يشعر بالرضى التام؛ فهي مدرسته وقد صمَّم على أن تكون نموذجية، ويكون كل أطفالها نموذجيين مثلما كان أولاده، هو نفسه، نموذجيين.
كان المستر جرادجرايند يُلقي المحاضرات إلى أطفاله الصغار، منذ السنوات الأولى من أعمارهم، وفي أغلب الأحيان بمجرد أن يستطيعوا الجري وحدهم، فيجروا إلى حجرة المحاضرات، وينظروا إلى سبورة كبيرة عليها علامات بالطباشير الأبيض.
ما من طفل من أولاد جرادجرايند، نظر إلى وجه في نور القمر. وما من طفل من أولاده تعلم أناشيد الحضانة السخيفة.
يسير المستر جرادجرايند نحو داره، وهو يشعر بالأمل وبالرضى. وكان أبًا محبًّا. ولكنه ربما وصف نفسه بأنه عملي أساسًا. ويفخر بأن غيره من الناس، يعتبرونه رجلًا عمليًّا.
«يا لويزا! يا ثوماس!»
نهض كلاهما وقد احمرَّ وجه ثوماس وبدا الخوف والخجل والقلق على محياهما، إلا أن لويزا نظرت إلى أبيها بجرأة أكثر مما فعل ثوماس .. الواقع أن ثوماس لم ينظر إليه، ولكنه استسلم لأن يُؤخَذ إلى البيت كما لو كان آلة.
قال المستر جرادجرايند: «ماذا تعملان هنا؟» وأمسك كلًّا منهما من يده، وقاده بعيدًا.
فقالت لويزا، باختصار: «أردنا أن نرى ماذا هناك.»
بدا كلٌّ من الطفلين مُتعَبًا ومستاءً، ولا سيِّما الفتاة. ومع ذلك، كان بوسعك أن ترى في وجهها تخيُّلًا قلقًا. أشبه بشعاع ضوء لا يجد شيئًا يسقط عليه، أو نار لا تجد ما تحرقه. وبقي هذا التخيل المتلهف، حيًّا، بطريقة ما.
ووضحت ملامح وجه الفتاة، ليس بالضوء الطبيعي للشباب المرح، وإنما بخلجات مرتابة غير متأكدة، تنم عن وجود شيء مؤلم فيها.
لويزا فتاة جميلة لا يزيد سنها على ١٥ أو ١٦ سنة. ولكن أباها فكَّرَ في أنها ستغدو امرأة فجأة، وستكون أكثر إصرارًا على أن تسير بحسب طريقتها الخاصة لو لم تنشأ جيدًا على ذلك النحو.
قال الأب: «يا ثوماس، إني لأجد صعوبة في أن أصدق أنك، رغم تعليمك، قد أحضرت أختك إلى منظر كهذا.»
فقالت لويزا، بسرعة: «أنا التي طلبت منه أن يأتي.»
– «يؤسفني أن أسمع هذا؛ فهو لا يجعل ثوماس أفضل، ويجعلك أسوأ، يا لويزا.»
نظرت الفتاة إلى أبيها، مرة ثانية، ولكن ما من دمعة نزلت على خدها.
صاح المستر جرادجرايند، يقول: «أنت! ثوماس وأنتِ، يا مَن دائرة المعارف مفتوحة أمامكما. ثوماس وأنتِ، يا مَن يمكن القول بأنكما مُلِمَّان جيدًا بالحقائق. ثوماس وأنتِ، يا مَن تدرَّبْتُما على دقة الرياضيات. ثوماس وأنتِ، هنا! أنا مدهوش.»
فقالت لويزا: «كنت متعبة يا أبي، ظللت متعبة لوقت طويل.»
فسألها الأب المدهوش، بقوله: «متعبة؟ من أي شيء متعبة؟»
– «لست أدري من أي شيء. متعبة من كل شيء، على ما أظن!»
– «هذا كلام أطفال، ولن أسمع المزيد.»
ما إن ذكر المستر جرادجرايند هذا الاسم حتى نظرت إليه ابنته بسرعة، نظرة فاحصة. ثم أسرعت بالنظر إلى أسفل مرة أخرى. ولم يبصر الأب هذه النظرة.
قال: «ماذا يقول المستر باوندرباي؟» وظل يكرِّر هذه العبارة، طوال الطريق، حتى وصلوا إلى ستون لودج، وهو يقود الأولاد إلى البيت. كان يكرِّر من وقت إلى آخَر قوله: «ماذا يقول المستر باوندرباي؟»